ثم إنه رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، فنكص على عقبيه، فقالوا له:
مالك يا أبا الحكم؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا شديدا.
التفسير والبيان:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أي اقرأ مبتدئا باسم ربّك، أو مستعينا باسم ربّك، الذي أوجد وخلق كل شيء. وقد وصف اللَّه لنا نفسه بأنه الخالق للتذكير بأول النعم وأعظمها. والمراد: الأمر من اللَّه لنبيّه بأن يصير قارئا، بقدرة اللَّه الذي خلقه وإرادته، وإن لم يكن من قبل قارئا ولا كاتبا، فمن خلق الكون قادر على أن يوجد فيه القراءة، وإن لم يتعلمها سابقا.
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ أوجد بني آدم من قطعة دم جامد وهي العلقة، التي هي طور من أطوار خلق الجنين، فإنه يبدأ نطفة، ثم يتحول بقدرة اللَّه إلى علقة: وهي كأنها قطعة من الدم الجامد، ثم يكون مضغة: وهي كأنها قطعة لحم، ثم يظهر فيها بقية التخليق من عظام، فلحم، فإنسان كامل الخلقة.
ويلاحظ أنه تعالى أطلق الخلق أولا ليتناول كل المخلوقات، ثم خصّ الإنسان بالذّكر لشرفه، أو لعجيب فطرته، أو لأن الآية سيقت من أجله.
وإنما قال: باسم ربّك، ولم يقل: باسم اللَّه كما في التسمية المعروفة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأن الربّ: من صفات الفعل، واللَّه: من أسماء الذات، وبما أنه أمره بالعبادة، وصفات الذات لا تستوجب شيئا، وإنما يستوجب العبادة صفات الفعل، فكان ذلك أبلغ في الحثّ على الطاعة، والخلاصة: إنه لم يأت بلفظ الجلالة، لما في لفظ الرّب من معنى الذي ربّاك، ونظر في مصلحتك، وجاء الخطاب ليدل على التأنيس والاختصاص، أي ليس لك ربّ غيره.
وإنما أضاف ذاته إلى رسوله، فقال: بِاسْمِ رَبِّكَ للدلالة على أنه له،