والمراد إخبار اللَّه تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم باللَّه، حتى يأتيهم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وما جاء به من القرآن، فإنه بيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم، ودعاهم إلى الإيمان.
ثم أوضح المراد بالبيّنة فقال:
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً، فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ أي تلك البينة هي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الذي أرسله رحمة للعالمين، يقرأ عليهم ما تتضمنه صحف القرآن، المطهرة من الخلط والكذب، والشبهات والكفر، والتحريف واللّبس، بل فيها الحق الصريح الذي يبين لأهل الكتاب والمشركين كل ما يشتبه عليهم من أمور الدين، وفيها الآيات والأحكام المكتوبة المستقيمة المستوية المحكمة، دون زيغ عن الحق، وإنما هي صلاح ورشاد، وهدى وحكمة، كما قال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصّلت ٤١/ ٤٢] وقال سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً لِيُنْذِرَ.. [الكهف ١٨/ ١- ٢].
ونظير الآية قوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس ٨٠/ ١٢- ١٦].
ثم أبان تفرّق الكتابيين، فقال:
وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ أي لا تتأسف يا محمد على الكتابيين، فإن تفرقهم واختلافهم لم يكن لاشتباه الأمر عليهم، بل كان بعد وضوح الحق، وظهور الصواب، ومجيء الدليل المرشد إلى الدين الحق والبينة الواضحة وهو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الذي جاء بالقرآن موافقا لما في أيديهم من الكتاب بنعته ووصفه، فلما بعث اللَّه محمدا، تفرقوا في الدين، فآمن به بعضهم، وكفر آخرون، وكان عليهم أن يتفقوا على طريقة واحدة، من اتباع