بما قبلها لأن المعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل، وأهلكنا أهله لإيلاف قريش، أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين.
وعلى كل حال فهاتان نعمتان: نعمة صد أصحاب الفيل، ونعمة جوار البيت الحرام والائتلاف فيه، فإن لم يعبدوا اللَّه لسائر نعمه، فليعبدوه لهاتين النعمتين. وقد عرّفهم سبحانه بأنه ربّ هذا البيت، بالرغم من أوثانهم التي يعبدونها حول الكعبة، فميّز نفسه عنها، وبالبيت تشرفوا على سائر العرب، وهم يدركون هذا ويقرّون به. وكانت الإشارة إلى البيت في السورة لإفادة التعظيم.
قال الرازي رحمه اللَّه عند قوله تعالى: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
: اعلم أن الإنعام على قسمين: أحدهما- دفع الضرر، والثاني- جلب النفع، والأول أهم وأقدم، ولذلك قالوا: دفع الضرر عن النفس واجب، أما جلب النفع، فإنه غير واجب، فلهذا السبب بيّن اللَّه تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل، ونعمة جلب النفع في هذه السورة، ونظرا لهاتين النعمتين العظيمتين أمرهم ربهم بعبادته والعبودية له وأداء الشكر على ذلك: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
«١».
والعبادة: هي التذلل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون، وهي تحقق معنى العبودية.
ثم ذكر اللَّه تعالى نعما أخرى على قريش، وصف بهما رب هذا البيت، فقال:
- الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أي هو ربّ البيت، وهو الذي أطعمهم من جوع ووسّع لهم في الرزق ويسّر لهم سبيله، بسبب هاتين الرحلتين، فخلّصهم من جوع شديد كانوا فيه قبلهما.

(١) تفسير الرازي: ٣٢/ ١٠٧


الصفحة التالية
Icon