وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
[يس ٣٦/ ٨١]. فمن قدر على خلق السماء ذات الأجرام العظيمة التي يتحدث عنها علماء الفلك والفضاء بدهشة، وفيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة ما هو واضح، كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أول مرة؟! ثم بيّن الله تعالى صفة خلق السموات، وأنه بناها بضم أجزائها بعضها إلى بعض، مع ربطها بما يمسكها حتى صارت بناء واحدا، ورفع ثخانتها في الجو، وجعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض بدون أعمدة، وجعلها عالية البناء، مستوية الخلق، معدّلة الشكل، لا تفاوت فيها ولا اعوجاج، ولا فطور ولا شقوق، بان أبدع في خلق الكواكب العديدة التي تفوق الملايين، وجعل لكل كوكب حجما معينا، ومدارا يسير فيه دون تصادم مع غيره، حتى صار من مجموعها ما يسمى بالسماء، وما يشبه البناء.
وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها أي جعل ليل السماء مظلما، وأبرز وأنار نهارها المضيء بإضاءة الشمس، وجعل تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول مناخا صالحا للعيش والسكنى.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أي بسط الأرض ومهدها وجعلها مفلطحة كالبيضة بعد خلق السماء، إلا أنها كانت مخلوقة غير مدحوة قبل خلق السماء، ثم دحيت بعد خلق السماء، كما جاء في سورة السجدة (فصّلت) : قُلْ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً، ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، سَواءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ، فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قالَتا: أَتَيْنا طائِعِينَ [٩- ١١] فهذه الآية دليل على أن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، إلا أن دحو الأرض وتمهيدها كان بعد خلق السموات «١».