جنبها، فصل الله تعالى بين الخلائق، فمنهم شقي وسعيد، فجواب (إذا) محذوف وهو: فصل الله..
ولذلك اليوم صفتان: إنه حين يتذكر الإنسان جميع ما عمله من خير أو شر لأنه يشاهده مدونا في صحائف عمله، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى [الفجر ٨٩/ ٢٣] وقال سبحانه: أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة ٥٨/ ٦]. وفيه تظهر نار جهنم المحرقة إظهارا لا يخفى على أحد.
سواء أكان مؤمنا أم كافرا، كما قال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ [الشعراء ٢٦/ ٩١]. قال مقاتل: «يكشف عنها الغطاء، فينظر إليها الخلق» فأما المؤمن: فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها، وأما الكافر: فيزداد غما إلى غمه، وحسرة إلى حسرته.
ثم فصّل الله تعالى ما يحكم به بين الخلائق، فقال:
فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى «١» أي فأما من تكبر وتمرد، وتجاوز الحد في الكفر والمعاصي، وقدّم الحياة الدنيا على أمر الدين والآخرة، ولم يستعد لها، ولا عمل عملها، فالنار المحرقة هي مأواه ومثواه ومستقره لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة. قيل: نزلت الآية في النضر وابنه الحارث، وهي عامة في كل كافر آثر الحياة الدنيا على الآخرة.
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى أي وأما من خاف القيام بين يدي الله عز وجل وخاف حكم الله فيه يوم القيامة، وأدرك عظمة الله وجلاله، ونهى نفسه عن هواها، وزجرها عن المعاصي والمحارم التي تشتهيها، وردها إلى طاعة مولاها، فالجنة مكانه الذي يأوي

(١) اللام: للعهد الذهني، أي مأواه اللائق به، ولهذا استغنى عن العائد، ولا حاجة إلى تكلف أن الألف واللام بدل من الإضافة.


الصفحة التالية
Icon