إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هذا هو المقسم عليه، أي إن القرآن تبليغ رسول كريم، ومقول قاله جبريل عليه السلام الشريف الكريم العزيز عند الله، ونزل به من جهة الله سبحانه إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فليس القرآن من كلام البشر، وإنما وصل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من جبريل الذي تلقاه عن ربّه عزّ وجلّ.
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ هذه أوصاف أربعة أخرى لجبريل عليه السلام، فهو شديد القوى في الحفظ التام والتبليغ الكامل، وذو رفعة عالية، ومكانة سامية عند الله سبحانه، ومطاع بين الملائكة، يرجعون إليه ويطيعونه، فهو من السادة الأشراف، مؤتمن على الوحي والرسالة من ربّه، وعلى غير ذلك. وإنما قال: ثَمَّ أي عند الله، وقرئ «ثم» تعظيما للأمانة وبيانا لأنها أفضل صفاته المعدودة.
ووصف جبريل بالأمين تزكية عظيمة من الله لرسوله الملكي وعبده جبريل، كما زكى عبده ورسوله البشرى محمدا صلّى الله عليه وسلّم بقوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ.
وبعد بيان أوصاف الرسول الملك، ذكر تعالى وصف المرسل إليه، فقال:
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ أي وليس محمد صلّى الله عليه وسلّم يا أهل مكة بمجنون، كما تزعمون.
وذكره بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
ونظير الآية قوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأعراف ٧/ ١٨٤]، وقوله: قُلْ: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سبأ ٣٤/ ٤٦]، وقوله: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ، وَقالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدخان ٤٤/ ١٣- ١٤].
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أي قد رأى محمد جبريل على صورته الأصلية، له ست مائة جناح، في مطلع أو أفق الشمس الأعلى من قبل المشرق، بحيث


الصفحة التالية
Icon