على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخّره العام والعامين ونحوهما، وأنه إذا حجّ من بعد أعوام من حين استطاعته، فقد أدّى الحجّ الواجب عليه في وقته، وليس هو عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها، فقضاها بعد خروج وقتها، ولا كمن فاته صيام رمضان لمرض أو سفر فقضاه، ولا كمن أفسد حجّه فقضاه، فلما أجمعوا على أنه لا يقال لمن حجّ بعد أعوام من وقت استطاعته: أنت قاض لما وجب عليك، علمنا أن وقت الحج موسّع فيه، وأنه على التّراخي، لا على الفور.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف، والمالكية في أرجح القولين، والحنابلة: يجب الحجّ بعد توافر الاستطاعة وبقية شروط الوجوب على الفور في العام الأول، أي في أول أوقات الإمكان، فيفسق وتردّ شهادته بتأخيره سنينا لأنّ تأخيره معصية صغيرة، وبارتكابه مرة لا يفسق إلا بالإصرار، لأنّ الفورية ظنيّة، بسبب كون دليلها ظنيّا، كما ذكر الحنفيّة. واستدلّوا بقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ، وقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة ٢/ ١٩٦]، والأمر على الفور. واستدلّوا أيضا بأحاديث منها:
«حجّوا قبل أن لا تحجّوا» «١»
، ومنها:
«تعجّلوا إلى الحجّ- يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» «٢»
، ومنها:
«من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر، فلم يحجّ، فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا» «٣»
ورواية الترمذي المتقدمة: «من ملك زادا أو راحلة تبلّغه إلى بيت الله، ولم يحجّ، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران ٣/ ٩٧] » «٤».
(٢) رواه أحمد والأصبهاني عن ابن عباس، وهو ضعيف.
(٣) رواه سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة مرفوعا، وهو ضعيف.
(٤) قال الترمذي: غريب، في إسناده مقال، وفيه ضعف.