الظُّلُماتِ وَالنُّورَ أي أنشأ كل ظلمة ونور، وجمع الظلمات وأفرد النور لكثرة أسبابها، والنور واحد وإن تعددت مصادره. وقدمت الظلمات على النور، لأنها أسبق في الوجود، فقد وجدت مادة الكون المظلمة أولا. أما السبب في جمع السموات وإفراد الأرض مع أن الأرضين كثيرة وهي سبع كالسماوات لقوله تعالى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق ٦٥/ ١٢] فهو أن السماء فاعل مؤثر، والأرض قابل متأثر، والمؤثر متعدد يحصل بسببه الفصول الأربعة وسائر الأحوال المختلفة، فلو كانت السماء واحدة لتشابه الأثر، واختلت مصالح العالم، أما الأرض فهي قابلة للأثر، والقابل الواحد كاف في القبول «١». وهذا الخلق والإبداع، والإنشاء من دلائل وحدانية الله.
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مع قيام هذا الدليل. يَعْدِلُونَ يعدلون به غيره أي يجعلون له عدلا مساويا له في العبادة والدعاء. خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ بخلق أبيكم آدم منه. ثُمَّ قَضى أَجَلًا أي حكم به، وحدّد لكم أمدا تموتون عند انتهائه، والأجل: المدة المضروبة للشيء.
ثُمَّ أَنْتُمْ أيها الكفار. تَمْتَرُونَ تشكّون في البعث، بعد قيام الدلائل والعلم أنه ابتدأ خلقكم، ومن قدر على الابتداء، فهو أقدر على الإعادة.
وَهُوَ اللَّهُ مستحق للعبادة. يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ما تسرون وما تجهرون به بينكم.
وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ تعملون من خير وشر.
التفسير والبيان:
كل أنواع الحمد والثناء والشكر والمدح لله تعالى خالق السموات والأرض، فهو المستحق للحمد بما أنعم على العباد في خلقه السموات التي تشتمل على المصابيح الليلية من نجوم وكواكب وشمس وقمر، وعلى الفضاء سواء أكان فيه هواء أم لا، وعلى الأثير الذي ينقل الصوت، وعلى الأرض قرار المخلوقات ومصدر الخير والرزق والثروة وبيئة الحياة، فكل ذلك لخير البشر وما يتبعهم من الكائنات الحية. وحمد الله تعالى نفسه الكريمة تعليما للإيمان والثناء. وعبر بالحمد لله ولم يقل: أحمد الله، لإفادة الثبوت والدوام، ولبيان أن ماهية الحمد وحقيقته ثابتة