وهذا المعنى مكرر في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ، وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ: نارٌ حامِيَةٌ [القارعة ١٠١/ ٦- ١١].
والذي يوضع في الميزان يوم القيامة: هو الأعمال، وهي وإن كانت أعراضا معنوية إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما، كما يروى عن ابن عباس.
جاء في حديث البراء في قصة سؤال القبر: فيأتي المؤمن شاب حسن اللون، طيّب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح»
وفي حديث آخر أخرجه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة عن ابن مسعود: يتمثل المال الذي لم تؤدّ زكاته لصاحبه بصورة ثعبان شجاع أقرع له زبيبتان، ثم يأخذ بلهزمتيه ويقول:
أنا مالك، أنا كنزك، ونصه: «ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع حتى يطوّق به عنقه، ثم قرأ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران ٣/ ١٨٠] الآية.
والدليل على أن الأعمال هي التي توزن:
ما أخرجه أبو داود والترمذي عن جابر مرفوعا: «توضع الموازين يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة، دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة، دخل النار، قيل: ومن استوت حسناته وسيئاته؟ قال:
أولئك أصحاب الأعراف».
ونقل القرطبي عن ابن عمر أن التي توزن: صحائف أعمال العباد. وعقب عليه بقوله: وهذا هو الصحيح، وهو الذي
ورد به الخبر وهو: «أن ميزان بعض بني آدم كاد يخف بالحسنات، فيوضع فيه رقّ مكتوب فيه: لا إله إلا الله، فيثقل»
فدل على وزن ما كتب فيه الأعمال، لا نفس الأعمال، وأن الله سبحانه يخفّف الميزان إذا أراد، ويثقله إذا أراد بما يوضع في كفّتيه من الصحف التي فيها الأعمال.