ثم ذكر الله جزاء المؤمنين الموصوفين بما ذكر، عند ربهم، فقال: لَهُمْ دَرَجاتٌ... أي لهم منازل ومقامات ودرجات في الجنات على حسب أعمالهم ونواياهم، كما قال تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ [آل عمران ٣/ ١٦٣]. ولهم مغفرة أي يغفر الله لهم السيئات، يشكر لهم الحسنات، ولهم رزق كريم: وهو ما أعد لهم من نعيم الجنة. والكريم: وصف لكل شيء حسن.
قال الضحاك في قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ: أهل الجنة بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد، ولهذا جاء
في الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: «إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم، كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء» قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا ينالها غيرهم، فقال: «بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين».
وفي الحديث الآخر الذي رواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى، كما تراءون الكوكب الغابر في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما».
فالمؤمنون متفاوتو الدرجة في الآخرة، وكذلك الرسل درجات، بدليل قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ [البقرة ٢/ ٢٥٣] وفضل الله المهاجرين المجاهدين على غيرهم، فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ [التوبة ٩/ ٢٠].
وهناك تفاوت أيضا في درجات الدنيا، لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ، لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام ٦/ ١٦٥].


الصفحة التالية
Icon