مَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، مِنْ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ ثَلَاثًا، فَاحْتُسِبَ بِوَاحِدَةٍ، وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إِنَّمَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» مَا نَصُّهُ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فِي الْحَيْضِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكَانَ تَطْلِيقُهُ إِيَّاهَا فِي الْحَيْضِ وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَلَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَجَابِرٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً.
وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَيُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ. اه مِنْهُ بِلَفْظِهِ. فَسُقُوطُ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ: هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ أُمَّ رُكَانَةَ، وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا يُغْنِي عَنِّي إِلَّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَةُ - لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا - فَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَأَخَذَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمِيَّةٌ، فَدَعَا بِرُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: " أَتَرَوْنَ فُلَانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَبْدِ يَزِيدَ؟ وَفُلَانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا "؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَلِّقْهَا " فَفَعَلَ، فَقَالَ: " رَاجِعِ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكَانَةَ " فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ رَاجِعْهَا " وَتَلَا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [٦٥ ١] ".
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرُ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَسُقُوطُهَا كَمَا تَرَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ هَذَا الَّذِي لَا خِلَافَ فِي