يَعْنِي: أَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَخْرَجَا حَدِيثَ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ ابْنِهِ سَعِيدٍ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ النَّمَرِيِّ، وَيُقَالُ الْعَبْدِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ هَذَا مُرَادُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ تَغْلِبَ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا الْحَكَمُ بْنُ الْأَعْرَجِ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ طَاوُسٍ ثَابِتٌ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَضْعِيفُهُ إِلَّا بِأَمْرٍ وَاضِحٍ، نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ خَبَرَ الْآحَادِ إِذَا كَانَتِ الدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةً إِلَى نَقْلِهِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ إِلَّا وَاحِدٌ وَنَحْوُهُ، أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَوَفُّرَ الدَّوَاعِي يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّقْلَ تَوَاتُرًا وَالِاشْتِهَارَ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الْأُصُولِ، أَشَارَ إِلَيْهَا فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يُحْكَمُ فِيهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخَبَرِ: [الرَجَزِ]

وَخَبَرُ الْآحَادِ فِي السُّنِّيِّ حَيْثُ دَوَاعِي نَقْلِهِ تَوَاتُرًا
نَرَى لَهَا لَوْ قَالَهُ تَقَرُّرَا
وَجَزَمَ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَقَالَ صَاحِبُ «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» عَاطِفًا عَلَى مَا يُجْزَمُ فِيهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخَبَرِ. وَالْمَنْقُولُ آحَادًا فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي إِلَى نَقْلِهِ خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَمُرَادُهُ أَنَّ مِمَّا يُجْزَمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ الْخَبَرُ الْمَنْقُولُ آحَادًا مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي إِلَى نَقْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي «مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ» مَسْأَلَةٌ: إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي إِلَى نَقْلِهِ، وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. كَمَا لَوِ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِقَتْلِ خَطِيبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَدِينَةٍ فَهُوَ كَاذِبٌ قَطْعًا خِلَافًا لِلشِّيعَةِ. اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مُنَاقَشَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ عَنْهَا مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ طَاوُسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ غَيَّرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ أَوْ جُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. فَالدَّوَاعِي إِلَى نَقْلٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ، مُتَوَفِّرَةٌ تَوَفُّرًا لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ، لِأَنْ يَرُدَّ بِذَلِكَ التَّغْيِيرِ الَّذِي أَحْدَثَهُ


الصفحة التالية
Icon