تَحْقِيقُهَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَقِيَاسُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَيْمَانِ اللِّعَانِ فِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَمْ تَجُزْ، قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ ; لَأَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ اللِّعَانِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا، بِخِلَافِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا اعْتُبِرَتْ إِجْمَاعًا، وَحَصَلَتْ بِهَا الْبَيْنُونَةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إِجْمَاعًا.
الْجَوَابُ السَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ طَاوُسٍ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَهُ، وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عَلِمَ بِهِ وَأَقَرَّهُ، لَا فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ ; لِأَنَّ جَمَاهِيرَ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَا أَسْنَدَهُ الصَّحَابِيُّ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّهُ.
الْجَوَابُ الثَّامِنُ: أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُصَادِفْ لَفْظُ الثَّلَاثِ مَحِلًّا ; لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهَا. وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَاءَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ هُوَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا هُنَا قَالَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» :[الرَّجَزِ]
وَحَمْلُ مُطْلَقٍ عَلَى ذَاكَ وَجَبَ | إِنْ فِيهِمَا اتَّحَدَ حُكْمٌ وَالسَّبَبُ |