لَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ بِحَمْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَرْأَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، بَاطِلٌ» عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، وَالصَّغِيرَةِ، وَحَمْلِهِ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمِسْكِينٍ فِي قَوْلِهِ: سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى الْمُدِّ، فَأَجَازَ إِعْطَاءَ سِتِّينَ مُدًّا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لَا لِدَلِيلٍ أَصْلًا، وَهَذَا يُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ لَعِبًا، كَقَوْلِ بَعْضِ الشِّيعَةِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [٢ ٦٧]، يَعْنِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» إِلَى حَدِّ التَّأْوِيلِ، وَبَيَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ مُعَرِّفًا لِلتَّأْوِيلِ: [الرَّجَزِ]

حَمْلٌ لِظَاهِرٍ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَاقْسِمْهُ لِلْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ
صَحِيحُهُ وَهُوَ الْقَرِيبُ مَا حَمَلَ مَعَ قُوَّةِ الدَّلِيلِ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ
وَغَيْرُهُ الْفَاسِدُ وَالْبَعِيدُ وَمَا خَلَا فَلَعِبًا يُفِيدُ
إِلَى أَنْ قَالَ: [الرَّجَزِ]
فَجَعْلُ مِسْكِينٍ بِمَعْنَى الْمُدِّ عَلَيْهِ لَائِحُ سِمَاتِ الْبُعْدِ
كَحَمْلِ امَرْأَةٍ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَمَا يُنَافِي الْحُرَّةَ الْكَبِيرَةَ
وَحَمْلُ مَا وَرَدَ فِي الصِّيَامِ عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ الِالْتِزَامِ
أَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ الْخَاصِّ بِهِ فِي «مُخْتَصَرِهِ»، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اخْتِلَافِ شُرُوحِ «الْمُدَوَّنَةِ» فِي الْمُرَادِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَشَارَ لَهُ فِي «الْمَرَاقِي» بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
وَالْخَلْفُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ صَيَّرَ إِيَّاهُ تَأْوِيلًا لَدَى الْمُخْتَصَرِ
وَالْكِتَابُ فِي اصْطِلَاحِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ «الْمُدَوَّنَةُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ الْآيَةَ [٣ ٧]، لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاوَ مُحْتَمِلَةٌ لِلِاسْتِئْنَافِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ يَقُولُونَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُتَشَابِهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا تَامٌّ عَلَى لَفْظَةِ الْجَلَالَةِ وَمُحْتَمَلَةٌ لِأَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالرَّاسِخُونَ مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُتَشَابِهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَيْضًا، وَفِي الْآيَةِ إِشَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ.


الصفحة التالية
Icon