قَالَ أَوَّلًا: بِأَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى، ثُمَّ تُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا، ثُمَّ تُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَيَنْتَظِرُهَا حَتَّى تُتِمَّ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهَا وَرَجَعَ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ إِذَا صَلَّى بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ بَلْ يُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ بَعْدَ سَلَامِهِ، كَمَا بَيَّنَّا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبْهَمَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فِي قَوْلِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الصَّحَابِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي «الْفَتْحِ» : وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ; لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ، رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي «مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ» مِنْ طَرِيقِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي «تَهْذِيبِهِ» بِأَنَّهُ أَبَوْهُ خَوَّاتٌ، وَقَالَ: إِنَّهُ مُحَقَّقٌ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، قُلْتُ: وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْغَزَّالِيُّ، فَقَالَ إِنَّ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِي رِوَايَةِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ. اه مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَدُوِّ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ إِلَى غَيْرِهَا، وَأَمَّا إِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ، وَلَمْ يُمْكِنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَرَكُ الْقِتَالَ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِيمَاءً مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا الْآيَةَ [٢ ٢٣٩].
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ اخْتَارَ مِنْ هَيْئَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَرْبَعًا:
إِحْدَاهَا: هِيَ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا عِنْدَ اشْتِدَادِ الْخَوْفِ وَالْتِحَامِ الْقِتَالِ، حَتَّى لَا يُمْكِنَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَرْكُ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ كَمَا ذَكَرْنَا رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَخِ الْهَيْئَةَ.
الثَّانِيَةُ: هِيَ الَّتِي صَلَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَطْنِ نَخْلٍ، وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى صَلَاتَهُمْ كَامِلَةً ثُمَّ يُسَلِّمُونَ جَمِيعُهُمْ: الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ مَرَّةً أُخْرَى هِيَ لَهُمْ فَرِيضَةٌ وَلَهُ نَافِلَةٌ، وَصَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ هَذِهِ رَوَاهَا جَابِرٌ وَأَبُو بَكْرَةَ، فَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى


الصفحة التالية
Icon