لَا حُجَّةَ فِي عَدَمِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ عَلَى أَنْهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْحَضَرِ بِدَعْوَى أَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَانَتْ مَشْرُوعَةً قَبْلَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ الَّتِي هِيَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكَهَا مَعَ أَنَّهُمْ شَغَلُوهُ وَأَصْحَابَهُ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ إِلَّا لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ فِي الْحَضَرِ، بَلِ التَّحْقِيقُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَا شُرِعَتْ إِلَّا بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَأَشَارَ أَحْمَدُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي نَظْمِهِ لِلْمَغَازِي إِلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]

ثُمَّ إِلَى مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَهْ ذَاتِ الرِّقَاعِ نَاهَزُوا الْمُضَارِبَهْ
وَلَمْ يَكُنْ حَرْبٌ وَغَوْرَثٌ جَرَى بِهَا لَهُ الَّذِي لِدَعْثَوْرٍ جَرَى
مَعَ النَّبِيِّ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ جَرَتْ لِوَاحِدٍ بِلَا تَعَدُّدِ
وَالنَّاظِمُ هَذَا يَرَى أَنَّهَا قَبْلَ خَيْبَرَ تَبَعًا لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ صَلَاةُ ذِي قَرَدٍ، وَهِيَ أَنْ تُصَلِّيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَتَقْتَصِرَ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ. وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي صَلَّاهَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ لَمَّا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بَطَبَرِسْتَانَ: أَيُّكُمْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، وَصَلَّى بِهِمْ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ النَّسَائِيُّ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ فَقَامَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا. فَصَلَّى بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدُ الْفَقِيرُ، وَأَبُو مُوسَى.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَجُلٌ مِنَ التَّابِعِينَ لَيْسَ بِالْأَشْعَرِيِّ جَمِيعًا عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ الْفَقِيرِ إِنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً أُخْرَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً، وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّدِّيُّ إِذَا صَلَّيْتَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ


الصفحة التالية
Icon