وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ زَادَ فِي حَدِيثِ التَّوْقِيتِ مَا لَفْظُهُ: وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا، وَفِي لَفْظٍ: «لَوْ مَضَى السَّائِلُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهَا خَمْسًا»، يَعْنِي لَيَالِيَ التَّوْقِيتِ لِلْمَسْحِ.
وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ هَذَا الَّذِي فِيهِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ ادِّعَاءَ النَّوَوِيِّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» الِاتِّفَاقَ عَلَى ضَعْفِهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. إِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِلْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ، مَبْنِيٌّ عَلَى شَرْطِهِ، وَهُوَ ثُبُوتُ اللُّقِىِّ.
وَقَدْ أَوْضَحَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ، أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِ اللُّقِىِّ بِثُبُوتِ الْمُعَاصَرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ خُزَيْمَةَ الَّذِي فِيهِ الزِّيَادَةُ، ظَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوِ اسْتُزِيدَ لَزَادَ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَظُنَّ هَذَا الظَّنَّ، وَلَا حُجَّةَ فِي ظَنِّ صَحَابِيٍّ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيهِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ خُزَيْمَةَ هُوَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ الَّذِي جَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَثَابَةِ شَاهِدَيْنِ، وَعَدَالَتُهُ، وَصِدْقُهُ، يَمْنَعَانِهِ مِنْ أَنْ يَجْزِمَ بِأَنَّهُ لَوِ اسْتُزِيدَ لَزَادَ إِلَّا وَهُوَ عَارِفٌ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، بِأُمُورٍ أُخَرَ اطَّلَعَ هُوَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُهُ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ التَّوْقِيتِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَوْمًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ».
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِتَقْوِيَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
فَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي عَدَمِ التَّوْقِيتِ صَحِيحٌ، وَيَعْتَضِدُ بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ الَّذِي فِيهِ الزِّيَادَةُ، وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ، وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، وَبِالْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
تَنْبِيهٌ
الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ


الصفحة التالية
Icon