فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ حُكْمِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [٣٣ ١]، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [٤ ٩٤]، فَقَوْلُهُ: بِمَا تَعْمَلُونَ، يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَكَقَوْلِهِ: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ [١٠ ٦١]، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا الْآيَةَ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ آيَةُ الرُّومِ، وَآيَةُ الْأَحْزَابِ، أَمَّا آيَةُ الرُّومِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا [٣٠ ٣٠]، ثُمَّ قَالَ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ [٣٠ ٣١]، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ، الْمُخَاطَبِ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ، الْآيَةَ.
وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فِي حَالِ كَوْنِكُمْ مُنِيبِينَ، فَلَوْ لَمْ تُدْخِلِ الْأُمَّةُ حُكْمًا فِي الْخِطَابِ الْخَاصِّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَالَ: مُنِيبًا إِلَيْهِ، بِالْإِفْرَادِ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَالَ الْحَقِيقِيَّةَ، أَعْنِي الَّتِي لَمْ تَكُنْ سَبَبِيَّةً، تَلْزَمُ مُطَابَقَتُهَا لِصَاحِبِهَا، إِفْرَادًا، وَجَمْعًا، وَتَثْنِيَةً، وَتَأْنِيثًا، وَتَذْكِيرًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: جَاءَ زَيْدٌ ضَاحِكِينَ، وَلَا جَاءَتْ هِنْدٌ ضَاحِكَاتٍ، وَأَمَّا آيَةُ الْأَحْزَابِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْأَسْدِيَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [٣٣ ٣٧]، فَإِنَّ هَذَا الْخِطَابَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِشُمُولِ حِكْمَتِهِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ الْآيَةَ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا أَيْضًا فِي الْأَحْزَابِ بِقَوْلِهِ: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [٣٣ ٥٠] ; لِأَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ الْآيَةَ، لَوْ كَانَ حُكْمُهُ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَخْيِيرَ الزَّوْجَةِ طَلَاقٌ، بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ، فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا ; مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ فِي ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْآيَتَيْنِ [٣٣ ٢٨].
وَأَخْذَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنُونَةَ الزَّوْجَةِ بِالرِّدَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [٣٩ ٦٥]، وَهُوَ خِطَابٌ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.


الصفحة التالية
Icon