قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هَذَا الْعِجْلُ الْمَعْبُودُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) [٧ ١٤٨]، وَقَوْلِهِ: (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) [٢٠ ٨٧، ٨٨] وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِلِاتِّخَاذِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَتَقْدِيرُهُ: بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ إِلَهًا، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي سُورَةِ «طَهَ» بِقَوْلِهِ: (فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) [٨٧ ٨٨]، قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) [٢ ٦٣]، أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) [٧ ١٧١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [٢ ٦٣] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي آتَاهُمْ مَا هُوَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ الْكِتَابُ الْفَارِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [٢ ٥٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) أَجْمَلَ قِصَّتَهُمْ هُنَا وَفَصَّلَهَا فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» فِي قَوْلِهِ: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) [الْآيَاتِ ١٦٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنُ لَنَا مَا هِيَ) لَمْ يُبَيِّنْ مَقْصُودَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: (مَا هِيَ) إِلَّا أَنَّ جَوَابَ سُؤَالِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ (مَا هِيَ) أَيْ: مَا سِنُّهَا؟ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ) الْآيَةَ. وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ (مَا هِيَ) فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ هَلْ هِيَ عَامِلَةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ فِيهَا عَيْبٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ فِيهَا وَشْيٌ مُخَالِفٌ لِلَوْنِهَا أَوْ لَا؟ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا) [٢ ٧١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) لَمْ يُصَرِّحْ هَلْ هَذِهِ النَّفْسُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا ذَكَرٌ بِقَوْلِهِ: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا) [٢ ٧٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ)
الْآيَةَ، أَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ إِحْيَاءَ قَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَلِيلٌ عَلَى بَعْثِ النَّاسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ مَنْ أَحْيَا نَفْسًا


الصفحة التالية
Icon