دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
فَعُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ، وَكَذَلِكَ عُمُومُ النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ» فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ»، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ: «وَمِنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ»، هَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ مَنْ قَالَ بِقَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ.
وَأُجِيبَ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْجُمْهُورِ بِمَا سَتَرَاهُ الْآنَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا دُخُولُ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ فِي عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ». وَعُمُومِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِينَ، فَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ دُخُولَ الْعَبِيدِ فِي عُمُومَاتِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْعَبِيدَ دَاخِلُونَ فِي عُمُومَاتِ النُّصُوصِ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا.
الثَّانِي: وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِيهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَاسْتَدَلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِكَثْرَةِ عَدَمِ دُخُولِهِمْ، كَعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي خِطَابِ الْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ الْآيَةَ [٢ ٢٢٨]، فَالْإِمَاءُ لَا يَدْخُلْنَ فِيهِ.
الثَّالِثُ: وَذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ، إِنْ كَانَ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ لَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ، وَأَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» إِلَى أَنَّ دُخُولَهُمْ فِي الْخِطَابِ الْعَامِّ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]
وَالْعَبْدُ وَالْمَوْجُودُ وَالَّذِي كَفَرْ مَشْمُولَةٌ لَهُ لَدَى ذَوِي النَّظَرْ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي دُخُولِهِمْ فِي عُمُومَاتِ النُّصُوصِ، وُجُوبُ صَلَاةِ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَمْلُوكَيْنِ، فَعَلَى أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْعُمُومِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، فَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُ الْعَبْدِ بِالْعُقُوبَةِ بِبَدَنِهِ يَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، قَالَهُ صَاحِبُ «نَشْرِ الْبُنُودِ شَرَحِ مَرَاقِي السُّعُودِ» فِي