ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمُفْرَدِهِ لَيْسَ مَعَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ، وَصَرَّحَ تَعَالَى بِأَنْ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْتِي فَرْدًا فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [١٩ ٩٥]، وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [٦ ٩٤]، أَيْ مُنْفَرِدِينَ لَا مَالَ، وَلَا أَثَاثَ، وَلَا رَقِيقَ، وَلَا خَوَلَ عِنْدَكُمْ، حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلًا، أَيْ: غَيْرَ مَخْتُونِينَ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [٢١ ٤]، وَقَدْ عَرَفْتَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ وَاحِدَ الْفُرَادَى فَرْدٌ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: فَرَدٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ: [الْبَسِيطُ]

مِنْ وَحْشٍ وَجَرَّةٍ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ طَاوِي الْمُصَيْرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْأَنْدَادَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فِي الدُّنْيَا تَضِلُّ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَنْقَطِعُ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا مِنَ الصِّلَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، كَقَوْلِهِ: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [٤٦ ٦]، وَقَوْلِهِ: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [١٩ ٨٢]، وَقَوْلِهِ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [٢٩ ٢٥]، وَقَوْلِهِ: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [٢٦ ٩٢، ٩٣]، وَقَوْلِهِ هُنَا: وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ [٦ ٩٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ اللَّيَلَ سَكَنًا، أَيْ: مُظْلِمًا سَاجِيًا لِيَسْكُنَ فِيهِ الْخَلْقُ ; فَيَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الْكَدِّ بِالنَّهَارِ، كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [١٠ ٦٧]، وَقَوْلُهُ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [٢٨ ٧١، ٧٢، ٧٣]، وَقَوْلُهُ: لِتَسْكُنُوا فِيهِ يَعْنِي: اللَّيْلَ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يَعْنِي: بِالنَّهَارِ، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ الْآيَةَ [٤١ ٣٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، ظَاهِرُ هَذِهِ


الصفحة التالية
Icon