لَيْلَى، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَنْ تَابَعَهُ، وَمُجَاهِدًا، وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ، وَقِيلَ: هُوَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَوْسُقٍ فِي الْقِلَّةِ وَأَوْسَاقٍ، وَعَلَى وُسُوقٍ فِي الْكَثْرَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُدُّ بِالتَّقْرِيبِ: مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ، لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَتَحْدِيدُهُ بِالضَّبْطِ وَزْنُ رِطْلٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، فَمَبْلَغُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ مِنَ الْأَمْدَادِ أَلْفُ مُدٍّ وَمِائَتَا مُدٍّ، وَمِنَ الصِّيعَانِ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَهِيَ بِالْوَزْنِ أَلْفُ رِطْلٍ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ، وَالرِّطْلُ: وَزْنُ مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا، وَزَادَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، كُلُّ دِرْهَمٍ وَزْنُ خَمْسِينَ وَخُمُسَيْ حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ، كَمَا حَرَّرَهُ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَدْرَى النَّاسِ بِحَقِيقَةِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْمَبْحَثِ، وَهُوَ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ إِخْرَاجُهُ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِيمَا لَيْسَ فِي سَقْيِهِ مَشَقَّةٌ، كَالَّذِي يَسْقِيهِ الْمَطَرُ، أَوِ النَّهَرُ، أَوْ عُرُوقُهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا مَا يُسْقَى بِالْآلَةِ كَالَّذِي يُسْقَى بِالنَّوَاضِحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَإِنْ سَقَى تَارَةً بِمَطَرِ السَّمَاءِ مَثَلًا، وَتَارَةً بِالسَّانِيَةِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرٍ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَغْلَبَ فَقِيلَ: يُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ وَيَكُونُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِالتَّقْسِيطِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا شَهَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا حَيِيَ بِهِ الزَّرْعُ وَتَمَّ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّقْسِيطِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: ابْنُ حَامِدٍ، فَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ وَجَبَ الْعُشْرُ احْتِيَاطًا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَهُ فِي «الْمُغْنِي» ; وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِتَحَقُّقِ الْكُلْفَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُسْقِطِ وَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا. وَإِنِ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْمَالِ فِي أَيِّهِمَا سَقَى بِهِ أَكْثَرُ؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ يَمِينٍ ; لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَلَا وَقْصَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، بَلْ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ أُخْرِجَ مِنْهُ بِحَسَبِهِ.


الصفحة التالية
Icon