فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ، وَاللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ أَمْثَالِ هَذَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِرِوَايَةِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا مِنْ جِنْسِ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَافِيَةَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَحَدٌ إِنَّهُ كَذَّابٌ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ظَنَّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَوْنِهِ ثِقَةً، وَقَدِ اطَّلَعَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ فَوَثَّقَهُ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، قِيلَ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَا نَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، مَجْهُولٌ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُدَّعِي أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَالتَّجْرِيحُ لَا يُقْبَلُ مَعَ الْإِجْمَالِ، فَعَافِيَةُ هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَالتَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ يَكْفِي فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
وَصَحَّحُوا اكْتِفَاءَهُمْ بِالْوَاحِدِ | جَرْحًا وَتَعْدِيلًا خِلَافَ الشَّاهِدِ |
وَالتَّعْدِيلُ يُقْبَلُ مُجْمَلًا | بِخِلَافِ الْجَرْحِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَسْبَابِهِ |
وَصَحَّحُوا قَبُولَ تَعْدِيلٍ بِلَا | ذِكْرٍ لِأَسْبَابٍ لَهُ أَنْ تَثْقُلَا |
وَلَمْ يَرَوْا قَبُولَ جَرْحٍ أُبْهِمَا | لِلْخُلْفِ فِي أَسْبَابِهِ وَرُبَّمَا |
اسْتُفْسِرَ الْجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ كَمَا | فَسَّرَهُ شُعْبَةُ بِالرَّكْضِ فَمَا |
هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الْأَثَرْ | كَشَيْخَيِ الصَّحِيحِ مَعْ أَهْلِ النَّظَرْ |
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْبَيْهَقِيِّ فِي عَافِيَةَ: إِنَّهُ مَجْهُولٌ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ: إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَوْثِيقِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَشِدَّةِ بَحْثِهِ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا.
وَأَمَّا الْآثَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ»، عَنْ