وَكُلُّهَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ فَنَذْكُرُ الْجَمِيعَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ الْآيَةَ.
ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ بِالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ، وَضَرَبَ الْمَثَلَ لِلْمُؤْمِنِ بِالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، وَلَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا يَسْتَوِي الْأَصَمُّ وَالسَّمِيعُ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ:
قَوْلُهُ: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [٣٥ ١٩ - ٢٣].
وَقَوْلُهُ: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى الْآيَةَ [١٣ ١٩].
وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [٢٧ ٨٠]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ قَالُوا لَهُ: مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ مِنَّا إِلَّا الْأَسَافِلُ وَالْأَرَاذِلُ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَرَاذِلِ لَهُ فِي زَعْمِهِمْ مَانِعٌ لَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [٢٦ ١١١].
وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَى أَنْ يَطْرُدَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ الْآيَةَ [١١ ٢٩، ٣٠]، وَذَكَرَ تَعَالَى عَنْهُ ذَلِكَ فِي الشُّعَرَاءِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ: أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: أَرَأَيْتُمْ [١١ ٢٨]، أَيْ: أَخْبِرُونِي إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي [١١ ٢٨]، أَيْ: عَلَى يَقِينٍ وَنُبُوَّةٍ صَادِقَةٍ لَا شَكَّ فِيهَا، وَأَعْطَانِي رَحْمَةً مِنْهُ مِمَّا أَوْحَى إِلَيَّ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى، فَخَفِيَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ تَعْتَقِدُوا أَنَّهُ حَقٌّ، أَيُمْكِنُنِي أَنْ أُلْزِمَكُمْ بِهِ، وَأَجْبُرَ قُلُوبَكُمْ عَلَى الِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ لِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيَّ بِهَا، وَرَحِمَنِي بِإِيتَائِهَا، وَالْحَالُ أَنَّكُمْ كَارِهُونَ لِذَلِكَ؟ يَعْنِي لَيْسَ بِيَدِي تَوْفِيقُكُمْ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا جَلِيًّا لَا