بِطَبْعِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّائِطَ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَحُدُّ حَدَّ الزِّنَى، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، قَالُوا: وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الزِّنَى ; لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا خَاصًّا بِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍّ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءُ
قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهُ بِالزِّنَى لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الدَّاعِيَ فِي الزِّنَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ اللِّوَاطِ، وَلِأَنَّ الزِّنَى يُفْضِي إِلَى الِاشْتِبَاهِ فِي النَّسَبِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ اللِّوَاطِ، قَالَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» : وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدَحْ إِبْدَاءٌ مُخْتَصٌّ بِالْأَصْلِ قَدْ صَلَحْ أَوْ مَانِعٌ فِي الْفَرْعِ... إِلَخْ...... وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا الْآيَةَ [٤ ١٦].
قَالُوا: الْمُرَادُ بِذَلِكَ: اللِّوَاطُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِيذَاءِ: السَّبُّ أَوِ الضَّرْبُ بِالنِّعَالِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ، قَالَ: الرَّجُلَانِ الْفَاعِلَانِ.
وَأَخْرَجَ آدَمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَآذُوهُمَا، يَعْنِي سَبًّا، قَالَهُ صَاحِبُ «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ الْآيَةَ.
ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُ أَخْبَرَ قَوْمَهُ: أَنَّهُ إِذَا نَهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ انْتَهَى هُوَ عَنْهُ وَأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ.
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهِيًا عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ غَيْرَهُ، مُؤْتَمِرًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [٢ ٤٤]، وَقَوْلِهِ: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [٦١ ٣].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:


الصفحة التالية
Icon