وَقَوْلِهِ عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ. [١١ ٨٧
قَوْلُهُ تَعَالَى لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. لَوْ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِلتَّحْضِيضِ، وَهُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ طَلَبًا حَثِيثًا. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ تَخْصِيصٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ لِيَكُونَ إِتْيَانُ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ طَلَبَ الْكُفَّارِ هَذَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ مَعَ مُوسَى: فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [٤٣ ٥٣] وَقَوْلِهِ: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [٢٥ ٢١]، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ الْآيَةَ [٦ ٨] وَقَوْلِهِ: لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [٢٥ ٧] وَقَوْلِهِ: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا [١٧ ٩٢] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَوْ تُرَكَّبُ مَعَ لَا وَمَا لِمَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا التَّحْضِيضُ، وَمِثَالُهُ فِي لَوْ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمِثَالُهُ فِي لَوْلَا قَوْلُ جَرِيرٍ:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ بَنِي ضُوطْرَى لَوْلَا الْكَمِيَّ الْمُقَنَّعَا
يَعْنِي: فَهَلَّا تَعُدُّونَ الْكَمِيَّ الْمُقَنَّعَ، الْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ امْتِنَاعُ شَيْءٍ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَهُوَ فِي لَوْلَا كَثِيرٌ جِدًّا كَقَوْلِ عَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَمِثَالُهُ فِي (لَوْ مَا) قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
لَوْ مَا الْحَيَاءُ وَلَوْ مَا الدِّينُ عِبْتُكُمَا بِبَعْضِ مَا فِيكُمَا إِذْ عِبْتُمَا عَوَرِي
وَأَمَّا هَلْ فَلَمْ تُرَكَّبْ إِلَّا مَعَ لَا وَحْدَهَا لِلتَّحْضِيضِ.
تَنْبِيهٌ
قَدْ تَرِدُ أَدَوَاتُ التَّحْضِيضِ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ، فَتَخْتَصُّ بِالْمَاضِي أَوْ مَا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ الْآيَةَ [١٠ ٩٨] وَقَوْلِهِ: لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ الْآيَةَ [٢٤ ١٣] وَقَوْلِهِ: فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً الْآيَةَ [٤٦ ٢٨]، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ قَوْلَ جَرِيرٍ:


الصفحة التالية
Icon