قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ.
بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ أَمَرَ إِبْلِيسَ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْجَنَّةِ، مُؤَكِّدًا أَنَّهُ رَجِيمٌ، وَبَيَّنَ فِي الْأَعْرَافِ أَنَّهُ خُرُوجُ هُبُوطٍ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مُتَّصِفًا بِالصَّغَارِ وَالذُّلِّ وَالْهَوَانِ بِقَوْلِهِ: قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [٧ ١٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ اللَّعْنَةَ عَلَى إِبْلِيسَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَصَرَّحَ فِي ص بِأَنَّ لَعْنَتَهُ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى إِبْلِيسَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [٣٨ ٧٨] وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفَاتِحَةِ بَيَانَ يَوْمِ الدِّينِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي الْآيَةَ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا قَسَمٌ مِنْ إِبْلِيسَ بِإِغْوَاءِ اللَّهِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يُغْوِي بَنِي آدَمَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الْآيَةَ [٣٨ ٨٢] وَقِيلَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [١٥ ٣٩] سَبَبِيَّةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِبْلِيسَ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَبْذُلُ جُهْدَهُ فِي إِضْلَالِ بَنِي آدَمَ حَتَّى يُضِلَّ أَكْثَرَهُمْ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [٧ ١٦ - ١٧] وَقَوْلِهِ: وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا الْآيَةَ [٤ ١١٨] وَقَوْلِهِ: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [١٧ ٦٢] وَهَذَا قَالَهُ إِبْلِيسُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِضْلَالِ أَكْثَرِ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ صَدَقَ ظَنُّهُ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [٣٤ ٢٠] وَكُلُّ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ إِضْلَالِ إِبْلِيسَ لِبَنِي آدَمَ بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ إِبْلِيسَ وَجَمِيعَ مَنْ تَبِعَهُ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ، كَمَا قَالَ هُنَا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ الآية [١٥ ٤٣ - ٤٤]، وَقَالَ فِي الْأَعْرَافِ: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [٧ ١٨] وَقَالَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا [١٧ ٦٣] وَقَالَ فِي ص: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [٣٨ ٨٤ - ٨٥].


الصفحة التالية
Icon