رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا الْآيَةَ [٢٩ ٣١ - ٣٢]، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [٢٩ ٣٣ - ٣٤] وَقَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [١٥ ٥٩] بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى آلَ لُوطٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ النَّازِلِ بِقَوْمِهِ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هُودٍ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ الْآيَةَ [١١ ٨١] وَقَوْلِهِ فِي الْعَنْكَبُوتِ: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ الْآيَةَ [٢٩ ٣٣] وَقَوْلِهِ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [٧ ٨٣] وَقَوْلِهِ: فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ الْآيَةَ [٢٦ ١٧٠ - ١٧١] وَقَوْلِهِ: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [٢٧ ٥٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنِ اسْتِثْنَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْ أَهْلِهِ النَّاجِينَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ أَوْضَحَهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَبَيَّنَ فِي الذَّارِيَاتِ أَنَّهُ أَنْجَى مَنْ كَانَ فِي قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ وَهُمْ آلُ لُوطٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [٢٩ ٣٥ - ٣٦].
تَنْبِيهٌ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى آلَ لُوطٍ مِنْ إِهْلَاكِ الْمُجْرِمِينَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [١٥ ٥٩] ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ امْرَأَةَ لُوطٍ بِقَوْلِهِ: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ [١٥ ٦٠] وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الْأَوَّلِ
لَيْسَ صَحِيحًا عَلَى إِطْلَاقِهِ. وَأَوْضَحَ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَقْسَامِهَا صَاحِبُ مَرَاقِي


الصفحة التالية
Icon