فَنَفْيُ صِحَّةٍ وَنَفْيُ الْأَجْرِ فِي وَقْتِ كُرْهٍ لِلصَّلَاةِ يَجْرِي
وَإِنْ يَكُ النَّهْيُ عَنِ الْأَمْرِ انْفَصَلْ فَالْفِعْلُ بِالصِّحَّةِ لَا الْأَجْرُ اتَّصَلْ
وَذَا إِلَى الْجُمْهُورِ ذُو انْتِسَابِ وَقِيلَ بِالْأَجْرِ مَعَ الْعِقَابِ
وَقَدْ رُوِي الْبُطْلَانُ وَالْقَضَاءُ وَقِيلَ ذَا فَقَطْ لَهُ انْتِفَاءُ
مِثْلَ الصَّلَاةِ بِالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ أَوْ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالْوُضُو انْقَلَبْ
وَمَعْطَنٍ وَمَنْهَجٍ وَمَقْبَرَهْ كَنِيسَةٍ وَذِي حَمِيمٍ مَجْزَرَهْ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَى الْقُبُورِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ أَيْضًا، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا». هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا مَنْعُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِلَى الْقَبْرِ ; لِأَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ الْمُتَجَرِّدَةَ مِنَ الْقَرَائِنِ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. أَمَّا اقْتِضَاءُ النَّهْيِ الْفَسَادَ إِذَا كَانَ لِلْفِعْلِ جِهَةُ أَمْرٍ وَجِهَةُ نَهْيٍ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَإِنْ كَانَتْ جِهَتُهُ وَاحِدَةً اقْتَضَى الْفَسَادَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَرَاقِي فِي اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ:
وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِلْفَسَادِ إِنْ لَمْ يَجِي الدَّلِيلُ لِلسَّدَادِ
وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْقُبُورِ، وَقَدْ قَالَ: «وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [٥٩ ٧]، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ لَعْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنِ اتَّخَذَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى التَّحْرِيمِ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ وَإِلَى الْقُبُورِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ: «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا» الْحَدِيثَ. قَالُوا: عُمُومُهُ يَشْمَلُ الْمَقَابِرَ، وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِلَى الْقَبْرِ خَاصَّةً، وَحَدِيثُ «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا» عَامٌّ، وَالْخَاصُّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَوْنِ الْأَرْضِ مَسْجِدًا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ


الصفحة التالية
Icon