إِلَى طَعَامِهِ الَّذِي بِهِ حَيَاتُهُ، وَيُفَكِّرَ فِي الْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ إِنْبَاتِ حُبِّهِ مَنْ أَنْزَلَهُ؟ ثُمَّ بَعْدَ إِنْزَالِ الْمَاءِ وَرَيِّ الْأَرْضِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى شَقِّ الْأَرْضِ عَنِ النَّبَاتِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهَا؟ ثُمَّ مِنْ يَقْدِرُ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَبِّ مِنْ ذَلِكَ النَّبَاتِ؟ ثُمَّ مِنْ يَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ صَالِحًا لِلْأَكْلِ! ؟ : انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ... الْآيَةَ [٦ ٩]، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [٨٠ ٢٤ - ٣٢].
وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ النَّظَرُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ [٨٦ ٥]، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ: أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَلَا دَلِيلَ يَصْرِفُ عَنْ ذَلِكَ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ «النَّحْلِ» إِلَى بَرَاهِينِ الْبَعْثِ الثَّلَاثَةِ، الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ يَكْثُرُ فِيهِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى الْبَعْثِ. الْأَوَّلُ: خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ.... الْآيَةَ [٦٤ ٣]، وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَعْثِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا [٧٩ ٢٧ - ٢٨]، إِلَى قَوْلِهِ: مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [٧٩ ٣٣]، وَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٤٦ ٣٣]، وَقَوْلِهِ: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ... الْآيَةَ [٤٠ ٥٧]، وَقَوْلِهِ: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [٣٦ ٨١]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْبُرْهَانُ الثَّانِي: خَلْقُ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ [١٦ ٤] ; لِأَنَّ مَنِ اخْتَرَعَ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا. وَهَذَا يَكْثُرُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْبَعْثِ، كَقَوْلِهِ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [٣٦ ٧٩]، وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ.... الْآيَةَ [٣٠ ٢٧]، وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [٢٢ ٥]، وَقَوْلِهِ: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [٥٠ ١٥]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ


الصفحة التالية
Icon