ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ سَخَّرَ الْبَحْرَ، أَيْ: ذَلَّلَهُ لِعِبَادِهِ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْ رُكُوبِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِمَا فِيهِ مِنَ الصَّيْدِ وَالْحِلْيَةِ، وَبُلُوغِ الْأَقْطَارِ الَّتِي تَحُولُ دُونَهَا الْبِحَارُ، لِلْحُصُولِ عَلَى أَرْبَاحِ التِّجَارَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَتَسْخِيرُ الْبَحْرِ لِلرُّكُوبِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ اللَّهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [٣٦ ٤١، ٤٢]، وَقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [٤٥ ١٢]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَرْبَعَ نِعَمٍ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِتَسْخِيرِ الْبَحْرِ لَهُمْ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [١٦ ١٤]، وَكَرَّرَ الِامْتِنَانَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فِي الْقُرْآنِ ; كَقَوْلِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ الْآيَةَ [٥ ٩٦]، وَقَوْلِهِ: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا الْآيَةَ [٣٥ ١٢].
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [١٦ ١٤]، وَكَرَّرَ الِامْتِنَانَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا فِي الْقُرْآنِ ; كَقَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [٥٥ ٢٢، ٢٣]، وَاللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ: هُمَا الْحِلْيَةُ الَّتِي يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنَ الْبَحْرِ لِلُبْسِهَا، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [٣٥ ١٢].
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ [١٦ ١٤]، وَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ الِامْتِنَانَ بِشَقِّ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ، كَقَوْلِهِ: وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ الْآيَةَ [٣٦ ٤٢]، وَقَوْلِهِ: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [١٤ ٣٢].
الرَّابِعَةُ: الِابْتِغَاءُ مِنْ فَضْلِهِ بِأَرْبَاحِ التِّجَارَاتِ بِوَاسِطَةِ الْحَمْلِ عَلَى السُّفُنِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [١٦ ١٤]، أَيْ: كَأَرْبَاحِ التِّجَارَاتِ. وَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ الِامْتِنَانَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَيْضًا.
كَقَوْلِهِ فِي «سُورَةِ الْبَقَرَةِ» : وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ [٢ ١٦٤]، وَقَوْلِهِ فِي «فَاطِرٍ» : وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [٣٥ ١٢]، وَقَوْلِهِ فِي «الْجَاثِيَةِ» : اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [٤٥ ١٢]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.


الصفحة التالية
Icon