فَجَمَعَ لُحُومَهَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ.
الرَّابِعُ: الْجَرَادُ هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي «سُورَةِ الْبَقَرَةِ» الْإِشَارَةَ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي رِبَوِيَّتِهِ عِنْدَهُمْ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَدَمُ رِبَوِيَّتِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الْعَيْشِ بِالْمَطْعُومِ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ فِي الرِّبَا ; لِأَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ مَالِكٍ: هِيَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ. قِيلَ: وَغَلَبَةُ الْعَيْشِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الْعَيْشِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ الْجَرَادُ، وَالْبَيْضُ، وَالتِّينُ، وَالزَّيْتُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي «سُورَةِ الْبَقَرَةِ».
فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ; فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ. وَيَجُوزُ بَيْعُ طَرِيِّهِ بِيَابِسِهِ يَدًا بِيَدٍ أَيْضًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ اللُّحُومَ تَابِعَةٌ لِأُصُولِهَا، فَكُلُّ لَحْمٍ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ كَأَصْلِهِ: فَلَحْمُ الْإِبِلِ عِنْدَهُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْغَنَمِ وَلَحْمُ الْبَقَرِ، وَهَكَذَا ; لِأَنَّ اللُّحُومَ تَابِعَةٌ لِأُصُولِهَا وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ.
أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكِلَاهُمَا عَنْهُ فِيهَا رِوَايَتَانِ. أَمَّا الرِّوَايَتَانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فَإِحْدَاهُمَا: أَنَّ اللُّحُومَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ; لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ اللَّحْمُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا الرِّوَايَتَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ; فَإِحْدَاهُمَا: أَنَّ اللُّحُومَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَسَائِرُ اللُّحْمَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. ثُمَّ قَالَ: وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كَوْنَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: الْأَنْعَامُ وَالْوُحُوشُ، وَالطَّيْرُ، وَدَوَابُّ الْمَاءِ أَجْنَاسٌ، يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا فِي اللَّحْمِ رِوَايَتَانِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ. انْتَهَى مِنَ الْمُغْنِي بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ، بِحَذْفِ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ، فَهَذِهِ مَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ


الصفحة التالية
Icon