أَلِيَ هَذِهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» اهـ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ فِي «سُورَةِ هُودٍ»، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ» اهـ. فَهَذَا الَّذِي أَصَابَ الْقُبْلَةَ مِنَ الْمَرْأَةِ نَزَلَتْ فِي خُصُوصِهِ آيَةٌ عَامَّةُ اللَّفْظِ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلِيَ هَذِهِ؟ وَمَعْنَى ذَلِكَ: هَلِ النَّصُّ خَاصٌّ بِي لِأَنِّي سَبَبُ وُرُودِهِ؟ أَوْ هُوَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي» مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ لَفْظِ: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ»، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؟
وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: «وَتَرَى الْفُلْكَ» [١٦ ١٤]، أَيْ: السُّفُنَ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ: «الْفُلْكَ» يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ، وَأَنَّهُ إِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ ذُكِّرَ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْجَمْعِ أُنِّثَ، فَأَطْلَقَهُ عَلَى الْمُفْرَدِ مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ: «وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ» [٣٦ ٤١، ٤٢]، وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْجَمْعِ مُؤَنَّثًا فِي قَوْلِهِ: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ [٢ ١٦٤]، وَقَوْلِهِ: مَوَاخِرَ [١٦ ١٤]، جَمْعُ مَاخِرَةٍ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخَرُ - بِالْفَتْحِ - وَتَمْخُرُ - بِالضَّمِّ - مَخْرًا وَمُخُورًا: جَرَتْ فِي الْبَحْرِ تَشُقُّ الْمَاءَ مَعَ صَوْتٍ. وَقِيلَ: اسْتَقْبَلَتِ الرِّيحَ فِي جَرْيَتِهَا. وَالْأَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [١٦ ١٤]، أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [١٦ ١٤]، وَلَعَلَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالشُّكْرُ فِي الشَّرْعِ: يُطْلَقُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ ; كَقَوْلِهِ هُنَا وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [١٦ ١٤]، وَشُكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ: هُوَ اسْتِعْمَالُهُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَا فِي طَاعَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعِينُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَلَيْسَ مِنَ الشَّاكِرِينَ ; وَإِنَّمَا هُوَ كَنُودٌ كَفُورٌ.
وَشُكْرُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [٢ ١٥٨]، وَقَوْله إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [٣٥ ٣٤]، هُوَ أَنْ يُثِيبَ عَبْدَهُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ مِنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَرْبَعَ نِعَمٍ مِنْ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ عَظِيمَ مِنَّتِهِ عَلَيْهِمْ بِهَا:
الْأُولَى: إِلْقَاؤُهُ الْجِبَالَ فِي الْأَرْضِ لِتَثْبُتَ وَلَا تَتَحَرَّكَ، وَكَرَّرَ الِامْتِنَانَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فِي


الصفحة التالية
Icon