قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [١٨ ١٠٩]، وَقَوْلِهِ: الْحَمِيدُ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [٣١ ٢٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ الْآيَةَ.
هَذَا الْمِيثَاقُ الْمَذْكُورُ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [٣ ١٨٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَى أَخْذِهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ: هُوَ إِيجَادُ قَرْنٍ مِنْهُمْ بَعْدَ قَرْنٍ، وَإِنْشَاءُ قَوْمٍ بَعْدَ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ [٦ ١٣٣]، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ [٣٥ ٣٩]، وَقَالَ: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ [٢٧ ٦٢]، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [٧ ١٧٢]، أَنَّ إِشْهَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا هُوَ بِمَا نُصِبَ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ رَبُّهُمُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ لِأَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى قَالُوا بَلَى، أَيْ: قَالُوا ذَلِكَ بِلِسَانِ حَالِهِمْ لِظُهُورِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ مِنْ إِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ لِسَانِ الْحَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [٩ ١٧]، أَيْ بِلِسَانِ حَالِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [١٠٠ ٦، ٧] أَيْ: بِلِسَانِ حَالِهِ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ أَيْضًا.
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ هَذَا الْإِشْهَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ [٧ ١٧٢، ١٧٣]، قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ، وَهُمْ فِي صُورَةِ الذَّرِّ لَمَا كَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ;


الصفحة التالية
Icon