مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا»، انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ. اه مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَرْجِيحِ الْقَوْلِ: بِأَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْلَحَ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ نَالَ الْفَلَاحَ نَالَ حَيَاةً طَيِّبَةً. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا»، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَابْنُ كَثِيرٍ إِنَّمَا سَاقَ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهَا تُرَجِّحُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ: أَنَّهُ إِذَا دَارَ الْكَلَامُ بَيْنَ التَّوْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ رُجِّحَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ جَامِعًا لَهُ مَعَ نَظَائِرَ يَجِبُ فِيهَا تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ بِقَوْلِهِ:
كَذَاكَ مَا قَابَلَ ذَا اعْتِلَالِ | مِنَ التَّأَصُّلِ وَالِاسْتِقْلَالِ |
وَمِنْ تَأَسُّسِ عُمُومٍ وَبَقَا | الْإِفْرَادُ وَالْإِطْلَاقُ مِمَّا يُنْتَقَى |
كَذَاكَ تَرْتِيبٌ لِإِيجَابِ الْعَمَلْ | بِمَا لَهُ الرُّجْحَانُ مِمَّا يُحْتَمِلُ |
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا غَيْرُ زَائِدَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الذَّاتُ ; كَقَوْلِ الْعَرَبِ: مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا، يَعْنُونَ أَنْتَ لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا، فَالْمَعْنَى: لَيْسَ كَاللَّهِ شَيْءٌ. وَنَظِيرُهُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمِثْلِ وَإِرَادَةِ الذَّاتِ: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ [٤٦ ١٠]، أَيْ: عَلَى نَفْسِ الْقُرْآنِ لَا شَيْءٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ لَهُ، وَقَوْلُهُ: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ [٦ ١٢٢]، أَيْ: كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ. وَكَالِاسْتِقْلَالِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْإِضْمَارِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا الْآيَةَ [٥ ٣٣]، فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُضْمِرُونَ قُيُودًا غَيْرَ مَذْكُورَةٍ فَيَقُولُونَ: أَنْ يُقْتَلُوا إِذَا قَتَلُوا، أَوْ يُصْلَبُوا إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ إِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا.. إِلَخْ.
فَالْمَالِكِيَّةُ يُرَجِّحُونَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَذْكُورَاتِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ اسْتِقْلَالَ اللَّفْظِ أَرْجَحُ مِنْ إِضْمَارِ قُيُودٍ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا حَتَّى تَثْبُتَ بِدَلِيلٍ ; كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ سَابِقًا فِي (الْمَائِدَةِ) وَكَذَلِكَ التَّأْسِيسُ يُقَدَّمُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ ; كَقَوْلِهِ: فَبِأَيَّ