رَفْعٌ لِحُكْمٍ أَوْ بَيَانُ الزَّمَنِ | بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ أَوْ بِالسُّنَنِ |
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ نَسْخُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [١٠ ١٥]، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ النَّسْخَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَلِكَ لَا نَسْخَ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا فَالْعِبْرَةُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا حُجَّةَ مَعَهُ فِي قَوْلِ الْأُمَّةِ ; لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ; وَلِذَا لَا بُدَّ فِي تَعْرِيفِ الْإِجْمَاعِ مِنَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمَرَاقِي فِي تَعْرِيفِ الْإِجْمَاعِ:
وَهُوَ الِاتِّفَاقُ مِنْ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ أَحْمَدِ.
وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَنْقَطِعُ النَّسَخُ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ، وَلَا تَشْرِيعَ الْبَتَّةَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَى كَوْنِ الْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ النَّسْخُ بِمُجَرَّدِهِمَا - أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي النَّسْخِ:
فَلَمْ يَكُنْ بِالْعَقْلِ أَوْ مُجَرَّدِ | الْإِجْمَاعِ بَلْ يُنْمَى إِلَى الْمُسْتَنَدِ |
وَمِنْهُ نَسْخُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ | هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ جُلُّ النَّاسِ |
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: مِنْ جَوَازِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ، وَعَزَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِلْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ فِي الْمَرَاقِي بِقَوْلِهِ: