فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [٧ ١٩٠، ١٩١]، وَهَذَا نَصٌّ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، لَا آدَمُ وَحَوَّاءُ، وَاخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ بِهِ الْجَهَلَةُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. فَبَيَّنَ أَنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ يُعَامَلُ بِاللِّينِ، وَأَخْذِ الْعَفْوِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ جَهْلِهِ وَإِسَاءَتِهِ. وَأَنَّ شَيْطَانَ الْجِنِّ لَا مَنْجَى مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُ، قَالَ فِي الْأَوَّلِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [٧ ١٩٩]، وَقَالَ فِي الثَّانِي: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [٧ ٢٠٠]، وَبَيَّنَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [٣٢ ١]، قَالَ فِيهِ فِي شَيْطَانِ الْإِنْسِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [٩٦]، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [٧٩، ٩٨].
وَالثَّانِي: فِي حم «السَّجْدَةِ» قَالَ فِيهِ فِي شَيْطَانِ الْإِنْسِ: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [٤١ ٣٤]، وَزَادَ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْطَاهُ كُلُّ النَّاسِ، بَلْ لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ إِلَّا لِذِي الْحَظِّ الْكَبِيرِ وَالْبَخْتِ الْعَظِيمِ عِنْدَهُ فَقَالَ: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [٤١ ٣٥]، ثُمَّ قَالَ فِي شَيْطَانِ الْجِنِّ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [٤١ ٣٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ.
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِخْوَانَ الْإِنْسِ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَمُدُّونَ الْإِنْسَ فِي الْغَيِّ، ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [١٩ ٨٣]، وَقَوْلِهِ: يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ [٦ ١٢٨]، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ بَعْضَ الْإِنْسِ إِخْوَانٌ لِلشَّيَاطِينِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ الْآيَةَ [١٧ ٢٧].


الصفحة التالية
Icon