الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْفَارِسَ يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ الرَّاجِلَ يُعْطَى سَهْمًا وَاحِدًا، وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا».
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فِي النَّفْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا» اهـ.
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: «وَلِلرَّجُلِ»، فَرِوَايَةُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ رَاوِيهِ نَافِعٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ اهـ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُورَةِ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ».
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَمَعَنَا فَرَسٌ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا سَهْمًا، وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ».
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَحُسَيْنِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجُمْهُورَ، فَقَالَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ ; مُحْتَجًّا بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ، وَيُجَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِسَهْمَيِ الْفَارِسِ خُصُوصُ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّهُمَا بِفَرَسِهِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْفَارِسِ.


الصفحة التالية
Icon