مِنْهَا، لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّا وَجَدْنَا بِالْعِرَاقِ خَيْلًا عِرَاضًا دُكْنًا، فَمَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُهُمَانِهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: تِلْكَ الْبَرَاذِينُ فَمَا قَارَبَ الْعِتَاقَ مِنْهَا، فَاجْعَلْ لَهُ سَهْمًا وَاحِدًا، وَأَلْغِ مَا سِوَى ذَلِكَ. اهـ.
وَالْبَرَاذِينُ: جَمْعُ بِرْذَوْنٍ، بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ: الْجُفَاةُ الْخِلْقَةِ مِنَ الْخَيْلِ، وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَالْهَجِينُ: هُوَ مَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأَمَّا الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى الْمُقْرِفَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ.
وَمِنْ إِطْلَاقِ الْإِقْرَافِ عَلَى كَوْنِ الْأُمِّ عَرَبِيَّةً قَوْلُ هِنْدٍ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: [الطَّوِيلُ]

وَمَا هِنْدُ إِلَّا مَهَرَةٌ عَرَبِيَّةٌ سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَحَلَّلَهَا بَغْلُ
فَإِنْ وَلَدَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فَبِالْحَرَى وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمَا أَنْجَبَ الْفَحْلُ
وَقَوْلُ جَرِيرٍ: [الْوَافِرُ]
إِذَا آبَاؤُنَا وَأَبُوكَ عَدُّوا أَبَانَ الْمُقْرِفَاتِ مِنَ الْعِرَابِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، هَلْ يُسْهَمُ لِبَعِيرِهِ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْإِبِلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَقَدْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ «بَدْرٍ» سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنَ الْإِبِلِ، هِيَ كَانَتْ غَالِبَ دَوَابِّهِمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهَا، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُلَفَائِهِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ غَزَوَاتِهِمْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيمَا عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ، وَلَوْ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنَ صَاحِبُهُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْغَزْوِ عَلَى فَرَسٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُسْهَمُ


الصفحة التالية
Icon