وَأَظْهَرُ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ فِي قَوْلِهِ: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا الْآيَةَ [١٧ ٣]، أَنَّهُ مُنَادَى بِحَرْفٍ مَحْذُوفٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْآيَةَ، أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهِ: أَنَّهُ بِمَعْنَى أَخْبَرْنَاهُمْ وَأَعْلَمْنَاهُمْ.
وَمِنْ مَعَانِي الْقَضَاءِ: الْإِخْبَارُ وَالْإِعْلَامُ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [١٥ ٦٦]، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِـ «إِلَى» لِأَنَّهُ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الْإِيحَاءِ. وَقِيلَ: مُضَمَّنٌ مَعْنَى: تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْنَاهُمْ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ - أَيْ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ - فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ ; لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً. وَأَنَّ مَنْ أَسَاءَ - أَيْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي - فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُسِيءُ عَلَى نَفْسِهِ. لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا الْآيَةَ [٤١ ٤٦ و٤٥ ١٥]، وَقَوْلِهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [٩٩ ٧ - ٨]، وَقَوْلِهِ: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [٣٠ ٤٤]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [١٧ ٧] بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ فَعَلَيْهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [٤١ ٤٦، ٤٥ ١٥]. وَمِنْ إِتْيَانِ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ الْآيَةَ [١٧ ١٠٩] ; أَيْ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: فَسَلَامٌ لَكَ الْآيَةَ [٥٦ ٩١]. أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكَ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: قَوْلُ جَابِرٍ التَّغْلِبِيِّ، أَوْ شُرَيْحٍ الْعَبْسِيِّ، أَوْ زُهَيْرٍ الْمُزْنِيِّ أَوْ غَيْرِهِمْ:
تَنَاوَلَهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ انْثَنَى لَهُ | فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ |