وَخَيْبَرَ مَا جَرَى مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْإِجْلَاءِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ.
فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ عَادُوا لِلْإِفْسَادِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [٢ ٨٩، ٩٠]، وَقَوْلُهُ: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ الْآيَةَ [٢ ١٠٠]، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ الْآيَةَ [٥ ١٣]، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَادَ لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [٥٩ ٢ - ٣، ٤٦]، وَتَعَالَى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا الْآيَةَ [٣٣ ٢٦، ٢٧]، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَتَرَكْنَا بَسْطَ قِصَّةِ الَّذِينَ سُلِّطُوا عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهَا أَخْبَارٌ إِسْرَائِيلِيَّةٌ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالتَّارِيخِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
. فِي قَوْلِهِ: حَصِيرًا [١٧ ٨] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَشْهَدُ لِمَعْنَاهُ قُرْآنٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: أَنَّ الْآيَةَ قَدْ يَكُونُ فِيهَا وَجْهَانِ أَوْ أَوْجُهٌ، وَكُلُّهَا صَحِيحٌ وَيَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ ; فَنُورِدُ جَمِيعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَصِيرَ: الْمَحْبَسُ وَالسِّجْنُ ; مِنَ الْحَصْرِ وَهُوَ الْحَبْسُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ حَصَرَهُ يَحْصُرُهُ حَصْرًا: ضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَأَحَاطَ بِهِ. وَهَذَا الْوَجْهُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ