الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [٣٠ ٤٠]، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي لَا جَوَابَ لَهُمْ غَيْرُهُ هُوَ: لَا، أَيْ: لَيْسَ مِنْ شُرَكَائِنَا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ، فَلَمَّا تَعَيَّنَ اعْتِرَافُهُمْ وَبَّخَهُمْ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [٣٠ ٤٠].
وَالْآيَاتُ بِنَحْوِ هَذَا كَثِيرَةٌ جَدًّا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ كُلَّ الْأَسْئِلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ اسْتِفْهَامَاتُ تَقْرِيرٍ، يُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُمْ إِذَا أَقَرُّوا رَتَّبَ لَهُمُ التَّوْبِيخَ وَالْإِنْكَارَ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ ; لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالرُّبُوبِيَّةِ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِالْأُلُوهِيَّةِ ضَرُورَةً ; نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [١٤ ١٠]، وَقَوْلِهِ: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا [٦ ١٦٤]، وَإِنَّ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ ; لِأَنَّ اسْتِقْرَاءَ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرُّبُوبِيَّةِ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَلَيْسَ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ، لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ الرُّبُوبِيَّةَ، كَمَا رَأَيْتَ كَثْرَةَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ.
وَالْكَلَامُ عَلَى أَقْسَامِ التَّوْحِيدِ سَتَجِدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، بِحَسْبَ الْمُنَاسَبَاتِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِهَا بِآيَاتٍ أُخَرَ.
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ جَعْلُهُ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرَّجُلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ الْآيَةَ [٦٥ ١]، وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ ; لِأَنَّ النِّسَاءَ مَزَارِعُ وَحُقُولٌ، تُبْذَرُ فِيهَا النُّطَفُ كَمَا يُبْذَرُ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [٢ ٢٢٣].
وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الطُّرُقِ: أَنَّ الزَّارِعَ لَا يُرْغَمُ عَلَى الِازْدِرَاعِ فِي حَقْلٍ لَا يَرْغَبُ الزِّرَاعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَرَاهُ غَيْرَ صَالِحٍ لَهُ، وَالدَّلِيلُ الْحِسِّيُّ الْقَاطِعُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ زَارِعٌ، وَالْمَرْأَةَ مَزْرَعَةٌ، أَنَّ آلَةَ الِازْدِرَاعِ مَعَ الرَّجُلِ، فَلَوْ أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُجَامِعَ الرَّجُلَ وَهُوَ كَارِهٌ لَهَا، لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهَا لَمْ يَنْتَشِرْ، وَلَمْ يَقُمْ ذَكَرُهُ إِلَيْهَا فَلَا تَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرْغِمُهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَتَحْمِلُ وَتَلِدُ، كَمَا قَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:

مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقُدٌ حُبُكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيْرَ مُهَبَّلِ
فَدَلَّتِ الطَّبِيعَةُ وَالْخِلْقَةُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ وَأَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ، وَلِذَا أَجْمَعَ الْعُقَلَاءُ عَلَى نِسْبَةِ


الصفحة التالية
Icon