هَذَا الْمَبْحَثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَيْضًا فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي سُورَةِ «الشَّمْسِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [٩١ ٨]، وَقَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [١٨ ١٧]، أَيْ لَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ لِلْمُوَالَاةِ يُرْشِدُهُ إِلَى الصَّوَابِ وَالْهُدَى، أَيْ لَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: فَهُوَ الْمُهْتَدِ قَرَأَهُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو، وَبَقِيَّةُ السَّبْعَةِ قَرَءُوهُ بِحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْحَالَيْنِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ.
الْحُسْبَانُ بِمَعْنَى الظَّنِّ، وَالْأَيْقَاظُ: جَمْعُ يَقِظٍ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:

فَلَمَّا رَأَتْ مَنْ قَدْ تَنَبَّهَ مِنْهُمُ وَأَيْقَاظَهُمْ قَالَتْ أَشِرْ كَيْفَ تَأْمُرُ
وَالرُّقُودُ: جَمْعُ رَاقِدٍ وَهُوَ النَّائِمُ، أَيْ تَظُنُّهُمْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ لَوْ رَأَيْتَهُمْ أَيْقَاظًا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ رُقُودٌ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا الْآيَةَ [١٨ ١٨]، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: سَبَبُ ظَنِّ الرَّائِي أَنَّهُمْ أَيْقَاظٌ هُوَ أَنَّهُمْ نِيَامٌ وَعُيُونُهُمْ مُفَتَّحَةٌ، وَقِيلَ: لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُشِيرُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ [١٨ ١٨]، وَكَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ هُنَا فِي عَدَدِ تَقَلُّبِهِمْ مِنْ كَثْرَةٍ وَقِلَّةٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلِذَا أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَتَحْسَبُهُمْ، قَرَأَهُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْقِيَاسِ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَقَرَأَهُ بِكَسْرِ السِّينِ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ سَبْعِيَّتَانِ، وَلُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَقْيَسُ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ
، اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِـ «الْوَصِيدِ»، فَقِيلَ: هُوَ فِنَاءٌ لِلْبَيْتِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقِيلَ الْوَصِيدُ: الْبَابُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْوَصِيدُ الْعَتَبَةُ، وَقِيلَ الصَّعِيدُ، وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ أَنَّ الْوَصِيدَ هُوَ الْبَابُ، وَيُقَالُ لَهُ «أَصِيدٌ» أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [١٠٤ ٨]، أَيْ مُغْلَقَةٌ مُطَبَّقَةٌ، وَذَلِكَ بِإِغْلَاقِ كُلِّ وَصِيدٍ أَوْ أَصِيدٍ، وَهُوَ الْبَابُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَنَظِيرُ الْآيَةِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
تَحِنُّ إِلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي وَمِنْ دُونِهَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُؤْصَدَةْ