أَصْحَابِ مَالِكٍ: إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَرِكَةَ الْعِنَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهَا، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُمَا لَمْ يُطْلِقَا هَذَا الِاسْمَ عَلَى هَذِهِ الشَّرِكَةِ، وَأَنَّهُمَا قَالَا:
هِيَ كَلِمَةٌ تَطَرَّقَ بِهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ لِيُمْكِنَهُمُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ - كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْتَ أَنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُمْ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ:
اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ النَّابِغَةِ فِي بَيْتَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ: بِمَا وَلَدَتْ نِسَاءُ بَنِي هِلَالٍ ابْنُ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأَنَّ مِنْهُمْ لُبَابَةَ الْكُبْرَى، وَلُبَابَةَ الصُّغْرَى، وَهُمَا أُخْتَانِ، ابْنَتَا الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ الْهَزْمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ، وَهُمَا أُخْتَا مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا لُبَابَةُ الْكُبْرَى فَهِيَ زَوْجُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهِيَ أُمُّ أَبْنَائِهِ: عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْفَضْلِ وَبِهِ كَانَتْ تُكَنَّى، وَفِيهَا يَقُولُ الرَّاجِزُ:

مَا وَلَدَتْ نَجِيبَةٌ مِنْ فَحْلِ كَسِتَّةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الْفَضْلِ
وَأَمَّا لُبَابَةُ الصُّغْرَى فَهِيَ أُمُّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَمَّتُهُمَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حَزْنٍ هِيَ أُمُّ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَهَذَا مُرَادُهُ:
بِمَا وَلَدَتْ نِسَاءُ بَنِي هِلَالِ
وَأَمَّا نِسَاءُ بَنِي أَبَانٍ فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ أَبَا الْعَاصِ، وَالْعَاصَ، وَأَبَا الْعِيصِ، وَالْعِيصَ أَبْنَاءَ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أُمُّهُمْ آمِنَةُ بِنْتُ أَبَانِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَهَذِهِ الْأَرْحَامُ الْمُخْتَلِطَةُ بَيْنَ الْعَامِرِيِّينَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ هِيَ مُرَادُ النَّابِغَةِ بِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْحَسَبِ وَالتُّقَى شِرْكَ الْعِنَانِ.
وَقِيلَ: إِنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ أَصْلُهَا مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ، كَمَا يَأْتِي إِيضَاحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
وَقِيلَ هِيَ مِنَ الْمُعَانَاةِ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ، يُقَالُ: عَانَنْتُهُ: إِذَا عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَالِهِ أَوْ فِعَالِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ يُعَارِضُ الْآخَرَ بِمَالِهِ وَفِعَالِهِ.
وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ فَتْحَهَا، وَيُرْوَى عَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ، وَادِّعَاءُ أَنَّ أَصْلَهَا مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا تَرَى.


الصفحة التالية
Icon