الْأَوَّلُ مِنْهَا هُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا مَالٍ وَلَا صَنْعَةٍ، بَلْ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ فِي ذِمَّتِهِ لَهُمَا مَعًا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الرِّبْحُ الْفَاضِلُ عَنِ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِشَرِكَةِ الذِّمَمِ، وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَوَجْهُ فَسَادِهِ ظَاهِرٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْسَرَ هَذَا وَيَرْبَحَ هَذَا كَالْعَكْسِ، وَإِلَى فَسَادِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الشَّرِكَةِ أَشَارَ ابْنُ عَاصِمٍ الْمَالِكِيُّ فِي تُحْفَتِهِ بِقَوْلِهِ:
وَفَسْخُهَا إِنْ وَقَعَتْ عَلَى الذِّمَمْ | وَيُقَسِّمَانِ الرِّبْحَ حُكْمٌ مُلْتَزَمْ |
وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا النَّوْعُ أَيْضًا فَاسِدٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْغَرَرِ سَابِقًا.
وَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِشُرُوطٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُ الشَّرِيكَيْنِ مُتَّحِدًا كَخَيَّاطَيْنِ، أَوْ مُتَلَازِمًا كَأَنْ يَغْزِلَ أَحَدُهُمَا وَيَنْسِجَ الْآخَرُ ; لِأَنَّ النَّسْجَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْغَزْلِ، وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً وَبُطْأً وَسُرْعَةً، أَوْ يَتَقَارَبَا فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَحْصُلَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَى جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الشَّرِكَةِ بِشُرُوطِهِ أَشَارَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ:
وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ إِنِ اتَّحَدَ أَوْ تَلَازَمَ وَتَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَقَارَبَا وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ، وَفِي جَوَازِ إِخْرَاجِ كُلِّ آلَةٍ وَاسْتِئْجَارِهِ مِنَ الْآخَرِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ - تَأْوِيلَانِ، كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ، وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ، [وَهَلْ وَإِنِ افْتَرَقَا رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ وَمَعْدِنٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ، وَقَيَّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ، وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ تَفَاصَلَا وَأُلْغِيَ مَرَضٌ كَيَوْمَيْنِ إِلَخْ] وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعَمَلِ: مِنْ صِنَاعَاتٍ بِأَنْوَاعِهَا، وَطِبٍّ وَاكْتِسَابٍ مُبَاحٍ، كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَاصِمٍ فِي تُحْفَتِهِ:
شَرِكَةٌ بِمَالٍ أَوْ بِعَمَلٍ | أَوْ بِهِمَا تَجُوزُ لَا لِأَجَلٍ |