مَا عَدَا حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ أَيْضًا «الْوَلَايَةُ» بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقَوْلَهُ «الْحَقِّ» قَرَأَهُ السَّبْعَةُ مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو وَالْكِسَائِيَّ بِالْخَفْضِ نَعْتَا «لِلَّهِ»، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوَلَايَةِ، فَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ «الْوَلَايَةُ لِلَّهِ» بِفَتْحِ الْوَاوِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا: الْمُوَالَاةُ وَالصِّلَةُ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَفِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَعْنَى هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَتِلْكَ الْحَالِ تَكُونُ الْوَلَايَةُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لِلَّهِ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا رَأَى الْعَذَابَ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [٤٠ ٨٤]، وَقَوْلِهِ فِي فِرْعَوْنَ: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [١٠ ٩٠ - ٩١]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَلَايَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ وَتِلْكَ الْحَالِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَيُوَالِي فِيهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَايَةَ رَحْمَةٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ [٢ ٢٥٧]، وَقَوْلِهِ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [٤٧ ١١]، وَلَهُ عَلَى الْكَافِرِينَ وَلَايَةُ الْمُلْكِ وَالْقَهْرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [١٠ ٣٠]، وَعَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فَالْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ; كَقَوْلِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [٤٠ ١٦]، وَقَوْلِهِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [٢٥ ٢٦]، وَقَوْلِهِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [٢٢ ٥٦]، وَعَلَى قِرَاءَةِ «الْحَقِّ» بِالْجَرِّ نَعْتًا لِلَّهِ، فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ الْآيَةَ [١٨ ٤٤]، وَقَوْلِهِ: فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ الْآيَةَ [١٠ ٣٢]، وَقَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [٢٤ ٢٥]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ «الْحَقُّ» بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوَلَايَةِ، عَلَى أَنَّ الْوَلَايَةَ بِمَعْنَى الْمُلْكِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ.
وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْ هَذَا الْكَافِرِ: مِنْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مَنْ دُونِ اللَّهِ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، كَقَوْلِهِ فِي قَارُونَ: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [٢٨ ٨١]،


الصفحة التالية
Icon