أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ الْآيَةَ [١٨ ١٠٥ - ١٠٦] ; لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِلِقَاءِ اللَّهِ لَا يَرْجُو لِقَاءَهُ، وَقَوْلِهِ فِي «الْعَنْكَبُوتِ» وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي [٢٩ ٢٣]، وَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [٧ ١٤٧]، وَقَوْلِهِ فِي «الْأَنْعَامِ» : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [٦ ٣١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «يُونُسَ» : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [١٠ ٤٥]، وَقَوْلِهِ فِي «الْفُرْقَانِ» : وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا [٢٥ ٢١]، وَقَوْلِهِ فِي «الرُّومِ» : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [٣٠ ١٦]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّ الرَّجَاءَ كَقَوْلِهِ هُنَا يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ [١٨ ١١٠]، يُسْتَعْمَلُ فِي رَجَاءِ الْخَيْرِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَوْفِ أَيْضًا، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي رَجَاءِ الْخَيْرِ مَشْهُورٌ، وَمِنِ اسْتِعْمَالِ الرَّجَاءِ فِي الْخَوْفِ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ:

إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يُرْجَ لَسْعُهَا وَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَاسِلُ
فَقَوْلُهُ «لَمْ يُرْجَ لَسْعُهَا» أَيْ: لَمْ يُخَفْ لَسْعُهَا، وَيُرْوَى حَالَفَهَا بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ، وَيُرْوَى عَوَاسِلُ بِالسِّينِ، وَعَوَامِلُ بِالْمِيمِ.
فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجَاءَ يُطْلَقُ عَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ، فَمَنْ كَانَ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ يَخَافُ مَا لَدَيْهِ مِنَ الشَّرِّ كَالْعَكْسِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا الْآيَةَ [١٨ ١١٠]، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جُنْدُبِ بْنِ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيِّ الْغَامِدِيِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّنِي أَعْمَلُ الْعَمَلَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَقْبَلُ مَا شُورِكَ فِيهِ» فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَضَعْفُ هَذَا السَّنَدِ مَشْهُورٌ،


الصفحة التالية
Icon