اللَّهِ؟ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [٦ ١٢١] وَحَذْفُ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يَدُلُّ عَلَى قَسَمٍ مَحْذُوفٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمٍ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهُوَ مُلْتَزَمْ
إِذْ لَوْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ لَاقْتَرَنَتْ بِالْفَاءِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا:
وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جَعَلْ شَرْطًا لَأَنَّ أَوْ غَيْرَهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
فَهُوَ قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا أَقْسَمَ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ الشَّيْطَانَ فِي تَحْلِيلِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ، وَهَذَا الشِّرْكُ مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَيُوَبِّخُ اللَّهُ مُرْتَكِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [٣٦ ٦٠] لِأَنَّ طَاعَتَهُ فِي تَشْرِيعِهِ الْمُخَالِفِ لِلْوَحْيِ هِيَ عِبَادَتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [٤ ١١٧]، أَيْ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا شَيْطَانًا، وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِهِمْ تَشْرِيعَهُ. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ الْآيَةَ [٦ ١٣٧]، فَسَمَّاهُمْ شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ الْآيَةَ [١٩ ٤٤]، أَيْ بِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلَمَّا سَأَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا الْآيَةَ [٩ ٣١]، بَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُحَكِّمُ غَيْرَ تَشْرِيعِ اللَّهِ ثُمَّ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا [٤ ٦٠]، وَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [٥ ٤٤]، وَقَالَ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [٦ ١١٤].
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ الرَّابِطَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَأَنْ يُنَادَى بِالِارْتِبَاطِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ،


الصفحة التالية
Icon