الْأَعْشَى:
فَقُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ | سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ |
وَمِثَالُهُ مُعَرَّفًا قَوْلُ الرَّاجِزِ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّبْحَانِ
وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ هُوَ أَشْرَفُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا. إِذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَصْفٌ أَعْظَمُ مِنْهُ لَعَبَّرَ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ، الَّذِي اخْتَرَقَ الْعَبْدُ فِيهِ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَرَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فِي مَحْبُوبٍ مَخْلُوقٍ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى:
يَا قَوْمُ قَلْبِي عِنْدَ زَهْرَاءَ | يَعْرِفُهُ السَّامِعُ وَالرَّائِي |
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا | فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي |
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي [الْكَشَّافِ] : أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَيْلًا [١٧ ١] بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ تَقْلِيلَ مُدَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّهُ أُسَرِيَ بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَذَلِكَ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ قَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ: مِنَ اللَّيْلِ ; أَيْ بَعْضُ اللَّيْلِ. كَقَوْلِهِ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً [١٧ ٧٩] يَعْنِي بِالْقِيَامِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ اه. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ التَّنْكِيرَ فِي قَوْلِهِ: لَيْلًا لِلتَّعْظِيمِ ; أَيْ: لَيْلًا أَيَّ لَيْلٍ، دَنَا فِيهِ الْمُحِبُّ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنْ أَسْرَى وَسَرَى لُغَتَانِ. كَسَقَى وَأَسْقَى، وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
حَيِّ النَّضِيرَةَ رَبَّةَ الْخِدْرِ | أَسْرَتْ إِلَيْكَ وَلَمْ تَكُنْ تَسْرِي |