الصُّحُفِ الْأُولَى [٢٠ ١٣٣] وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [٢١ ٨]، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ.
بَيِّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الْأُمَمِ فَكَذَّبُوهُمْ، وَأَنَّهُ وَعَدَ الرُّسُلَ بِأَنَّ لَهُمُ النَّصْرَ وَالْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ، وَأَنَّهُ صَدَقَ رُسُلَهُ ذَلِكَ الْوَعْدَ فَأَنْجَاهُمْ. وَأَنْجَى مَعَهُمْ مَا شَاءَ أَنْ يُنْجِيَهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ آمَنَ بِهِمْ مِنْ أُمَمِهِمْ، وَأَهْلَكَ الْمُسْرِفِينَ وَهُمُ الْكُفَّارُ الْمُكَذِّبُونَ الرُّسُلَ، وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [١٢ ١١٠] وَقَوْلِهِ: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [١٤ ٤٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [١٤ ١٣ - ١٤] وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [٣٧ ١٧١ - ١٧٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الْآيَةَ [١١ ٥٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الْآيَةَ [١١ ٦٦] وَقَوْلِهِ: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا [١١ ٩٤] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ «صَدَقَ» تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا وَبِالْحَرْفِ، تَقُولُ: صَدَقْتُهُ الْوَعْدَ، وَصَدَقْتُهُ فِي الْوَعْدِ، كَقَوْلِهِ هُنَا: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ [٢١ ٩] وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [٣ ١٥٢] فَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: «صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ كَقَوْلِهِ: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا» - لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْإِسْرَافُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْمَعَاصِي كَالْكُفْرِ، وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الْمُسْرِفِينَ عَلَى الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ.
«وَكَمْ» هُنَا لِلْإِخْبَارِ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لِأَنَّهَا مَفْعُولُ «قَصَمْنَا» أَيْ: قَصَمْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ ظَالِمَةً، وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ هُنَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ


الصفحة التالية
Icon